١٦.٦.٠٦

المردّة

المردة وتاريخهم

عام 676م أرسل الملك قسطنطين جيشا من الروم الى جبل لبنان، فاحتلوا البلاد وانتشروا من جبال الجليل حتى الجبل الاسود. هذا الجيش كان مؤلفا من فرقة من "المردة" آتية من الاناضول وآسيا الصغرى وفرقة من "الجراجمة" (عاصمتهم الجرجومة التابعة لانطاكية) وهم شعب أتني واحد. والاسم "مردة" باللغة الفارسية يعني الرجل الشجاع والبطل. واسم "جراجمة" باللغة السريانية تعني الرجال الاشداء. كان الجراجمة والمردة ملكيين خلقيدونيين وكانوا ملكيين سريانا لا يونانيين لأن لغة الجبال والارياف كانت السريانية. وفي أوائل القرن الخامس، كانوا لا يزالون وثنيين فتنصروا على يد مار سمعان العمودي الذي كان معاصرا للقديس مارون. وهم فرع من الشعب الأموري الذي عرف باسم مردو منذ السومريين في الالف الثاني قبل المسيح. الموارنة مردة وأهالي المنيطرة وجبة المنيطرة قاعدة المارونية الاولى في لبنان من القرن الخامس. ظل العرب يسمون موارنتها بالمردة حتى القرن الثالث عشر. فالبطريرك الماروني الاول مار يوحنا مارون انتخب أسقفا على فينيقيا والبترون عام 676 – 677، وفي تلك السنة دخل المردة لبنان واعتصموا في جباله. وكانت المنافسة شديدة آنذاك بين الكرسي القسطنطيني والكرسي الروماني، فكان من البديهي ان يقوم الملك البيزنطي ببعض التدخل العسكري لمساندة العرب ضد الموارنة أحيانا. وأصبح المردة حصنا منيعا للبطريركية المارونية التابعة لروما ضد العسكر البيزنطي. وفي القرن السابع وجهت حركة المردة ضرباتها من جبال سوريا ولبنان الى قلب الدولة الاموية في الشام وكانت الاساس في استقلال لبنان. وانتهت هذه الانتفاضات بمعاهدة سلام بين العرب والمردة في ذلك الزمن أي القرن السابع.
وأبرز النقاط في هذه المعاهدة: طلب الأمان والصلح،/ التعاون مع المسلمين، لا يدفعون الجزية، واذا شاركوا المسلمين في الحرب لا يتعاونون معهم الا على أساس المساواة.
هذه المعاهدة تثبت ان المردة كانوا مدركين ان على عاتقهم رسالة سامية ذات قيم مسيحية وأهداف ثابتة ومثل عليا مع كل ما تتطلبه من تضحية في سبيل الواجب الوطني. عقد المردة المعاهدات الودية مع العرب لتوطيد استقلالهم، وعندما دعت الحاجة هاجموا ودافعوا واستشهدوا في سبيل قضيتهم. دفاعهم لم يقتصر على منطقة ولم ينحصر بطائفة بل شمل الوطن ومصلحته.
تعود صيغة ما يسمى الميثاق الوطني الى عهد الموارنة الاول وعهد العرب الاول ايضا ولو ان هذا الميثاق أخذ أشكالا مختلفة على مدى العصور. فظل الجوهر هو هو: حرية مساواة وسيادة.

نادين محاسب

* جريدة النهار 15/6/2006